دار النوادر
دار النوادرFacebookTwitterLinkedInGoogle
ضوابط المال الموقوف (دراسة فقهية تطبيقية مقارنة) (18)
ضوابط المال الموقوف (دراسة فقهية تطبيقية مقارنة) (18)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لعل من نافلة القول أن نذكر أن الوقف شيء قديم جداً، فالإنسان مفطور على حب الخير وفـعله منذ أن وُجد على هذه البسيطة كائناً من كـان، مدنياً يعيش في مجتمعات ويتعاون مع بني جنسه.
لكن الجدير بالذكر في هذا الصـدد أن المجتمعات السابقة للإسلام عرفت أشكالاً أولية وبدائية من الأوقـاف بالموازنة مع الوقف الإسلامي؛ إذ كان الشائع حينها وقف أماكن العبادة وبعض المكتبات، إلا أن الوقف بمعناه الواسع الشامل إنما تبلور مع بزوغ فجر الإسلام في المدينة المنورة؛ إذ تعددت أهدافه وأغراضه، حيث حث النبي صلى الله عليه وسلم صحابته على الوقف، فلبوا نداء النبي، وبدؤوا بخدمة هذا الوقف حتى توسع في عهد الصحابة، فابتكروا الوقف الذُّري، والذي هو تشريع إسلامي محض كما تُقر بذلك موسوعة ’أمريكانا‘، وهو أمر لم تعرفه القوانين الغربية.
ثم اقتضـت كثرة الأوقـاف وتشعب جهات المنتفعين بها التفكيـرَ في إنشاء تنظيم إداري للإشراف على الأموال الموقوفة، وضمان حسن التصرف بها بما يحقق المصلحة العامة ومصلحة المنتفعين على السواء.
ويرجع أقدم تنظيم إلى العصر الأمـوي، حيث سُجلت الأحباس في ديوان خاص بها، ثم في عهد العباسيين وُضع لإدارة الوقـف رئيس يسمى (صدر الوقوف)، ثم توالت التعديلات والاهتمامات بالوقف حتى خُصصت له في معظم الأقطار اليوم وزارة خـاصة تشرف على شؤونـه، وتدير ريعه ومصارفـه وموارده، تُسمى وزارة الأوقاف.
لذا فقـد اعتنى فقهاء المسلمين قديماً بدراسة الوقـف، وأوْلوه اهتمامهم، وجاءت مؤلفاتهم حافلة بتخصيص باب أو فصل يُعرف باسم: باب الوقف، يتضمن تعريفه وأركانه وشروطه ومصارفه والأحكام المتعلقة به من هلاك واستبدال ووضع ناظر إلى غير ذلك من الأحكـام التي درسها الفقهاء، ثم جـاءت دراسات الفقهاء المعاصرين محاولة بحث السبل الكفيلة في تنمية وتطوير الوقف، وجعله يتماشى مع العصر الحديث والمتطور.
لكن ورغم كـل ذلك: لا يخفى على أحد حال الأوقـاف الإسلامية اليوم، والتي باتت تشكو من إهمال وجمود وتعطيل لكثير من خيراتها ومنافعها، وعجزها فـي كثير مـن الأحيان عن مسايـرة التطور والحـداثة مـع بروز بعض المعامـلات والأوضاع الاقتصادية التي فرضت نوعاً جديداً من التعامل بين الناس، ولا شك أن أهم ما تناولـه التغيير: الشيء موضوع الوقـف (الموقوف)، والذي ربما كـان في الماضي البعيد يتناول أشياء محددة كالبئر والأرض والعقار، أما في الوقت الراهن فربما كانت الحاجة ماسة إلى دراسة أشياء أخرى ذات جدوى ونفع أكثر، وتُناسِبُ هذا العصر، كوقف النقود والأسهم والمنافع، ووقف منافع الآلة الصناعية، أو وقف الحقوق المالية كحق التأليف وبـراءة الاختراع، وبيـان ما يصلح منها للوقف مما لا يصلح وفق ضوابط محددة.
وما تقدَّم كان حافزاً لي أن أخوض غمار هذا الموضوع تحت عنوان: ضوابط المال الموقوف.
ومما زاد في رغبتي في دراسة هذا البحث:
1 ـ تزايد الاهتمام ـ بعد التنبه إلى الخطر الذي يحيق بالأوقاف الإسلامية ويُنذر بتعطيلها ـ من قبل الدول والمنظمات الإسلامية بدراسة السُبُل الكـفيلة بالنهوض بحـال الوقف، عن طريق تقديم الدراسـات وعقد المؤتمرات، والتي لا تقل في مجموعها عن ثلاثة أو أربعة مؤتمرات في كل عام، منها مؤتمرات سنوية دائمة في دولة الكويت، تنظمها الأمانة العامة للأوقاف.
2 ـ الحاجة إلى رفع درجة الوعي الوقفي، وتنشيط حركة وقفية تتناسب مع متطلبات المجتمع الحديث، وتنقية مفهوم الوقـف من الشبهات والمعوقات التي أدت إلى العزوف عنه.
3 ـ الحاجة إلى بيان الحكم الشرعي لبعض أنواع الموقوفات التي أصبحت ضرورية في عصر التطور والحداثـة، مثل وقف النقود والسندات ومنافـع الآلات ومنافع الأشخاص وحقوق التأليف والاختراع.
4 ـ الحاجة إلى النظر في شروط المال الموقوف، ودراستها وتمحيصها لبيان ما يصلح منها أن يكون ضابطاً تنتظم تحته أنواع المال الموقوف مما لا يصلح.
* الدراسات السابقة:
ومما زاد في رغبتي وكان دافعاً لي لاختيار هذا الموضوع أنني لم أجد ـ على حد علمي وبحثي ـ أي كتاب متخصص قام بدراسة ضوابط المال الموقوف، على الرغم من الدراسات الكثيرة قديماً وحديثاً حول الوقف، إلا أن جل هذه الدراسات ـ إن لم نقل كلها ـ تنـاولت هذا الموضوع دون إسهاب، وباختصـار شديد، وفي سياق بيان شروط الموقـوف، وكثير منها قديم جداً، لم تتضح لديه المستجدات وأهمية العمل على تكييف تطبيقات الوقف مع هذه المستجدات، مثل:
كتاب: ’رسالة في جواز وقف النقود‘، وهو كتاب قديم لأبي السعود العمادي (898 ـ 982ﻫ)، مخطوط بدار الكتب القومية بمصر، اقتصر على نقول مقتضبة من كتب فقهاء المذاهب الذين يجيزون وقف النقود، بدون تعليق أو شرح، وبدهي أنه قاصر عن إعطاء تطبيقات معاصرة كونه كتاباً قديماً.
وكتاب: الوقف الإسلامي، تطوره، إدارته، تنميته، للمؤلف: منذر القحف.
وكتاب: ’الأموال التي يصـح وقفها وكيفية صرفها‘، و’رؤية اجتهادية في المسائل الفقهية المعاصرة للوقف‘ وكلاهما للدكتور وهبة الزحيلي، وهما كتابان بحجم صغير جـداً ضمن سلسلة كتيبات تصدرهـا دار المكتبي تحت عنوان: بين الأصالة والمعاصرة.
وغير ذلك من الكتب التي لم تتناول الضوابط التي تميز الشيء الذي يصح وقفه من غيره، ومناقشة تلك الضوابط لبيان الصحيح منها من غيره، مع بيان الأمثلة التطبيقية لذلك.
أما فيما يتعلق بالدراسات الجامعية الحالية: فلم أجد ـ بعد التقصي ـ سوى رسالتين تُبحثان الآن في كلية الشريعة بدمشق، ولم تُنجزا بعد، الأولى تحت عنوان: ’الوقف الخيري ودوره في التنمية الاقتصادية‘، والثانية: ’شرط الواقف وسلطة ولي الأمر في تقييده‘، ولا يخفى أنه لا علاقة لهما بما نحن في صدد بحثه، أما الأولى فهي عن دور الوقـف، والثانيـة عن شرط الواقـف، وكـلاهما لا يتناولا الموقـوف ولا ضوابطه، وإنما ذكرتهما هنا خشية اللبس، ولنفي التقارب والتداخل بينهما وبين موضوع البحث.
هذه الأسباب وغيرها كثير جعلتني أعزم على خوض غمار هذا البحث الهام والشائك، وكلي أمل بالله أن يعينني ويوفقني، وأن أصـل إلى تحقيق أهداف هذه الدراسة.
* أهداف الدراسة:
1 ـ دراسة شروط المال الموقوف، ومناقشتها لبيان ما يصلح منها أن يكون ضابطاً للموقوف وما لا يصلح، والخروج بضوابط للمال الموقوف تندرج تحتها تطبيقات الشيء الموقوف.
2 ـ تطبيقات تتناول دراسة حكم الموقوفـات التي تناولها الفقهاء بالبحـث قديماً؛ كالمرهون والكتب والسلاح والعقار، وبيان الحكم الراجح مع الدليل.
3 ـ تطبيقات تتناول دراسة حكم الموقوفات التي لم يتناولها الفقهاء السابقون؛ كبراءة الاختراع وحـق التأليف والأسهم ومنافع الآلة الصناعية، أو تناولوهـا لكن باختصار دون أن تكون لديهم الضرورات التي تقضي بالتعامل بها في الوقت الراهن مع بروز بعض التطبيقات الممكنة التي تُخرجها عن دائرة المنع التي كانت سائدة قديماً؛ كوقف النقود وغيرها.
وليس من أهـداف هذه الدراسة الحديث عن استبدال الموقـوف أو بيعـه، إلا ما يرد عرَضاً في ثنايا البحث دون إفراد فصل أو مبحث خاص به.
ولعل سائـلاً يقول: إذا كـان الاستبدال جائـزاً فلماذا البحـث في الشروط والتطبيقات؟ يكفي أن نستبدل ما لا تنطبق عليه شروط الموقوف بآخر مجمع على صحة وقفه.
نقول: إننا نبحث في صحة وقف هـذه الأشياء بعينها؛ لأن لها وجوهاً من الفوائد ليست لغيرها، ثم إنها ربما تكـون في زمان أو مكان ما هي المتوافرة دون غيرها من المُجْمَعِ على صحة وقفه.
وبالإضافة إلى ذلك: فإن الاستبدال لا يَرِدُ هنا؛ لأنه إنما يكون في حالات مخصوصة ولأسباب معينة، بعد أن يكون الشيء الموقوف قد وُقِفَ وقفاً صحيحاً، أما الحديث عن موقوف لا يصح وقفه ابتداءً نستبدله فيما بعد فهذا لا يمكن، حيث إنه لم ينعقد الوقف صحيحاً، وبالتالي لم يخرج الموقوف عن ملك صاحبه، وعليه: فإن عليه دفع زكاته، ولأولاده وورثته اقتسامه بعد وفاته مع سائر ممتلكاته.
وهذا ما صرح به الحنابلة في سياق حديثهم عن عدم صحة وقف القناديل في المساجد.
   المجموعةمكتبة الرسائل الجامعية العالمية
   الناشردار النوادر
   عنوان الناشردمشق
   سنة النشر (هجري)1433
   سنة النشر (ميلادي)2012
   رقم الطبعة1
   نوع الورقكريم شاموا
   غراماج الورق70
   قياس الورق17 × 24
   عدد المجلدات1
   عدد الصفحات524
   الغلاففني
   ردمك9789933459611
   تأليف/تحقيقتأليف
   تصنيف ديوي
USD16
https://www.daralnawader.com/ضوابط-المال-الموقوف-(دراسة-فقهية-تطبيقية-مقارنة)-(18)
 تحميل
 كلمات مفتاحية
 تعليقات الزوار
ابومانع: 

جزيتم خيرا

2014-05-20 11:48:41 am
مريم نور: 

موضوع في المستوى بارك الله في عملكم

2014-05-20 11:48:41 am
جاسم العمران: 

شكرا لكم حقيقة مجهود رائع يستحق الشكر والثناء بارك الله بكم ووفقكم لبذل المزيد

2014-05-20 11:48:41 am
hazem ali: 

بارك الله فيكم

2014-05-20 11:48:41 am
اسم المستخدم
كلمة المرور
 مشاركة