يُعتبَرُ هذا الكتابُ أحدَ المَوسُوعاتِ العِلْميَّةِ الكُبْرَى في جَمْعِ ونَقْلِ رِواياتِ الإمام أبي عبدِ اللهِ أحمدَ بنِ مُحمَّدِ بنِ حَنبلٍ الشَّيْبانيِّ رضي الله عنه، كما يُعَدُّ مِنْ أبرزِ كُتُبِ المَذهبِ الحَنبليِّ وأهمِّها، فقد حَذَا فيه مؤلِّفُه حَذْوَ المُجتهدِين المُصحِّحِينَ لرِواياتِ المَذهَب, حتى عدَّه بعضُ العُلَماءِ أحدَ كتابَين عليهِما مدارُ التَّرجِيحِ عندَ اختلافِ روايات المَذهب.

فهو متنٌ نافِع, ومختصَرٌ جامِع، بالَغَ مؤلِّفُه في تهذيبِه, وأحسَنَ في تصنيفِه وترتيبِه، وهذَّبَهُ مُختصِراً، ورتَّبَه مُحرِّراً، حاوياً لأكثر أصول المَسائل، خالياً من العِلَل والدَّلائل، وقد اجتهدَ في إيجاز لفظِه، تيسيراً على طُلَّاب حفظه، فأَوجَزَ فيه العِبارة, ورَفَعَ عَنْ مكنوناتِه السِّتارة، وجرَّدَه مِنَ التَّعلِيل، ولم يُطِلْهُ بذكرِ الدَّليل.

هذا وقد امتاز هذا الكتابُ بعدَّةِ مَزَايا أهمُّها:

الإمامُ العَلَّامةُ مَجدُ الدِّين أبو البَرَكاتِ عبدُ السَّلام بنُ عبدِ الله بنِ الخضر، ابنُ تَيْمِيَّة الحَرَّانِيُّ الحَنْبليُّ، فقيهٌ ومحدِّثٌ ومُفسِّر، كان شيخَ الحنابلةِ في عصره، وفَرْدَ زمانِه في شَتَّى العُلُوم، وهو جَدُّ شيخ الإسلام تقيِّ الدِّين أبي العباس أحمدَ بنِ عبدِ الحَلِيم.

وُلدِ بِحَرَّان سنة (590هـ)، وحَدَّث بالحجاز والعراق والشام، ثم ببلده حَرَّان، وتوفي بها سنة (652هـ).

من كتبه: ((تفسيرُ القرآن العظيم))، و((المُنْتَقَى في أحاديث الأحكام))، و((المُحرَّر)) في الفقه، وهو كتابنا هذا، و((الأحكام الكُبْرَى))،و((منتهى الغاية في شرح الهداية))، وغيرُها.

 

طُبِعَ هذا الكتابُ عنِ الطبعةِ الأصليَّة المُعتمَدة والمطبوعة في مطبعة السنة المُحمَّدية في القاهرة سنة (1369هـ)، وقد اعتُمِدَ في تحقيقِه على نُسخةِ ((المُحرَّر)) المحفوظة في دار الكتب المِصرية، والمُصحَّحة عن نُسخةِ الإمام تقيِّ الدِّينِ الجِراعيِّ الحَنبليّ (825-883هـ).

ولأجل النَّفعِ وإتمام الفائدة فقد طُبع معهُ كتابُ ((النُّكَت والفَوَائِد السَّنِيَّة على مُشْكِلِ المُحَرَّرِ لمَجدِ الدِّين ابنِ تَيْمِيَّة)) للعَلَّامةِ شَمْسِ الدِّين ابنِ مُفْلِحٍ المَقْدِسِيِّ الحَنْبَلِيِّ (708-763هـ)، وذلك بالاعتماد على النُّسخَةِ الخَطِّيَّةِ للإمامِ ابنِ زُرَيْقٍ المَقدسِيِّ (812-900هـ)، والمَنسُوخَةِ سنةَ (863هـ)، والمَحُفوظَةِ في دارِ الكُتُبِ المِصرية.