يُعتَبرُ هذا الكتابُ مَوسُوعةً فقهيةً كُبرَى، فَضْلاً عنْ كونِه مِنْ أُمَّهات كُتُبِ الفقه الحَنَفيِّ المُعتَمَدة في الفَتوَى، حَوَى من عُيُونِ المَسائِل فأوعَى، وأحاطَ بالنَّوَادر والنَّظائر جِنساً ونَوعاً، واستَخرَجَ مِنْ بِحَارِ كُتُبِ ظاهرِ الرِّوَاية دُرَّها، وقرَّبَ للمُجتَني أزهارَها وثِمارَها، وأبرزَ دقائقَها وكنوزَها، وحَلَّ غوامضَها ورُموزَها، فَبَيَّنَ المعقولَ مِنَ المَنقُول، واستَخرَجَ أغصانَ الفُرُوعِ مِنْ شُعَبِ الأصُول، وأبرزَ الحقائقَ بعدَ أنْ أَحرَزَ الدَّقائِق، وقَنَصَ الشَّوَارِد، ونَظَمَ القَلائِد، وذَلَّل المَصَاعِب، وقَرَّبَ المَطالِب، حتَّى قالَ عنه العَلَّامةُ نجْمُ الدِّين الطَّرَسُوسِيُّ (721-758هـ): ((مَبْسُوطُ)) السَرْخَسِيِّ لا يُعمَلُ بما يخالفُه، ولا يُركَنُ إلا إليه، ولا يُفتَى ولا يُعوَّلُ إلا عليه.

كما يُعَدُّ هذا الكتابُ أَسْنَى ما أُلِّفَ في الفِقْهِ وأبدعَه، وأعذبَه مَورِداً وأجمعَه؛ حيث إنه امتازَ بِسُهولةِ العِبارة، ولُطف الإشارة، وقُربِ التَّناوُل، وعُمُوم النَّفع والفائدة.

كما تبرُز أهميتُه في كونِه أفضلَ وأوسَعَ شُرُوح ((الكافي)) للحاكم الشهيد أبي الفضل محمدِ بنِ أحمدَ المَرْوَزِيِّ (ت: 334هـ)، والذي يُعَدُّ مِنْ كُتُبِ مَسَائلِ الأُصُول المُعتَمَدَةِ في الفقه الحنفي، حيثُ جَمَعَ فيه مؤلِّفُه مسائلَ الأُصُول المَرويةِ عن أصحابِ المَذهب، وهي كتب ظاهر الرِّواية السِّتة للإمام محمد بن الحسن الشيباني، والتي رواها الثقاتُ وثبتتْ عنه بالشهرة أو التواتر، وهي: الجامع الصغير، والجامع الكبير، والسير الصغير، والسير الكبير، والزيادات، والمبسوط.

شَمسُ الأئمة أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ أبي سَهلٍ السَّرْخَسِيُّ، مِنْ أهل (سَرْخَسَ) في خُراسان، إمامٌ مجتهدٌ مِنْ فُحُول العُلَماء وكِبارِ الفُقَهاء في المَذهب الحنفي.

سُجِنَ في جُبٍّ في أُوزْجَنْدَ بفَرغَانةَ بِسَبَبِ كَلمةٍ نَصَحَ بها الخاقانَ، وَلَمَّا أُطلِقَ سَكَنَ فَرْغانةَ إلى أنْ تُوفِّيَ سَنةَ (483هـ).

أشهرُ كُتُبِه ((المَبسُوط)) في الفقه والتشريع، وهو الكتابُ الذي بَينَ أيدِينا، وقد أملاه وهو سَجِينُ الجُبِّ، وله ((شرح الجامع الكبير))، و((شرح السير الكبير))، كلاهُما للإمام محمد بن الحسن الشيباني، و((الأصول)) في أصول الفقه، و((شرح مختصر الطحاوي))، و((شرح كتاب النفقات))، و((شرح أدب القاضي))، كلاهُما للخَصَّاف، وله ((أشراط الساعة))، و((الفوائد الفقهية))، و((كتاب الحيض)).

طُبِعَ هذا الكتابُ عنِ الطبعةِ الأصليةِ المُعتمَدةِ والمَطبُوعة في مطبعة السعادة بمِصرَ سنةَ (1331هـ) بإدارة السيد محمد إسماعيل، والتزام الحاج محمد الساسي المغربي، وبتصحيح جمع من أفاضل العلماء.