دار النوادر
دار النوادرFacebookTwitterLinkedInGoogle
الحكم الشرعي بين منهج الاستنباط وفقه التنزيل
الحكم الشرعي بين منهج الاستنباط وفقه التنزيل
إنه في ظل التنافس الذي يشهده المجتمع البشري؛ تنافس الأديان والأفكار والنظم على قيادة الحضارة الإنسانية المعاصرة، عن طريق التفنن في الظهور بالمظهر الجميل والأحسن لنيل القيادة إعجاباً، أو الظهور بالمظهر القوي لإرهاب المنافس، فتنال القيادة استسلاماً، أو الجمع بين المظهرين.
في ظل هذا التنافس يتفاوت نصيب كل فكرة ودين من الجهود التي بذلها، والفرص التي أُتيحـت له، والمكاسـب التي حققها؛ فبعضـهم ملك دولاً، وآخر ملك دولةً، وثالث دويلةً، ورابع فرقةً، وخامس طريداً مشرداً، وهذه سنة التنافس في الحياة وعلى الحياة، سنة الله هكذا عُهدت وهكذا ستبقى، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
في ظل هذا التنافس أبَيْنا البقاء على هامش الصراع نتفرج؛ لأنه يعني البقاء على هامش الحياة؛ لأن الحياة صـراع، فما خُلق الإنسـان عبثاً، وما كان الخالق عابثاً، وما كان خلق ربك لهواً، بل بالحق، ولكن الغفلة صرعت منا الكثير.
أبَيْنا الهامش وفضَّلنا الميدان، فتطلَّب منا انتماءً فانتمينا، والتحاقاً فالتحقنا، ولواءً فرفعنا، فلفكرة الإسـلام كان الانتماء، وبركب الأنبياء كان اللحاق، ولراية التوحيد برزت السواعد.
ولا نـدَّعي أن ذلك كان نباهـةً منا، مكَّنتنا من حسـن الاختيار بين الأفكار والأديان فاخترنا الإسلام، إنه إرث ورثناه دون جهد منا ولا عناء، والفضل يعود لجند محمد صلى الله عليه وسلم؛ ابتداءً بصحبه الكرام الذين حفظوا العهد، وبلَّغوا الأمانة دون كلل أو ملل، وانتهاءً بإخوانه من قوافل الشهداء، الذين وقفوا صفوفاً رسلاً، يشهدون أمام الصليبية الحاقدة أن شعب الجزائر مسلم، وإلى العروبة ينتسب، وأن من رام تنصيراً له رام المحال من الطلب.
هذه الحقيقة إرث ورثناه، ولكن بعد ذلك تدبَّرناه، فوجدناه الحق والعدل فأحببناه واتبعناه، وأردنا في خضم التنافس المعاصر أن نساهم مع غيرنا من المؤمنين والمؤمنات ـ وهم كثير بفضل الله ـ في تحقيق دفع جديد للإسـلام، يقترب به من مقام القيادة المتنافَس عليها بقدر ما نملك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وكُرة الإسلام الجديد بعد التدحرج الذي حدث لرايته على مستوى المواقع القيادية في المجتمع البشري، قد قطعت مرحلة مهمة ونحسبها ناجحة، وتتمثل في التفاف المسلمين حول راية الإسلام، يريدونها أن تُرفع فوق القصور، وقد كانت مقصورة على الصوامع.
كان هذا النجاح كبيراً على مستوى العواطف والوعي العام، وهو المرحلة الأولى، أما على مستوى التفصيل ـ وهو المرحلة الثانية ـ فنحسب أنه لا تزال أمام هذه الصحوة خطوات طويلة، وإن وُفقت في خطوات مقطوعة، وعلى هذا الثغر أردنا الرباط لتحقيق النقلة الناجحة لأحكام الشريعة الإسلامية من النص النازل إلى سبب النزول ـ الواقع الإنساني ـ، بما أسميناه: الحكم الشرعي بين منهج الاستنباط وفقه التنزيل.
* أهمية الموضوع:
إن الإسلام عقيدةٌ تقدم للإنسان تصوراً عاماً عن الكون والإنسان والحياة، وشـريعةٌ تقود الحياة في ضوء هذا التصور العام، فهو الحق الذي يقف وسطاً بين رهبانية المسيحية ومادية الملحدين ومن على شاكلتهم.
فهو عقيدة يعرف الإنسان بها ذاته ووظيفته؛ لذا فهو ساكن غير محتار، راسخ القدم في الأرض، مشدود بحبل إلى السماء، ثابت الخطو على طريق مستقيم، غير موزع أشتاتاً بين السبل.
ثم هو شريعة تضبط حركة الإنسان في مجرة الحياة؛ لتنسجم مع حركة الكون الكبير، فلا ريب أن المجتمعات التي لا تحكمها شريعة الإسلام تشبه الأفلاك الشاردة عن مداراتها المرسـومة، التائهة في الفضاء الكبير، فالشريعة ذات الأصول الثابتة والمنتهية تلاحق باسـتمرار حركة الحياة المتجددة والمتنامية؛ لترسم لها المسـار الصحيح، وتقيها من الشرود.
والشريعة إن كانت معصومة في أصولها، فهي في هذه الملاحقة غير معصومة؛ لأن الملاحِق هنا هو الإنسان المجتهد، وهذه الملاحقة تسمى اجتهاداً، وحركية الحياة منَعت الإسقاط المباشر لأصول الشريعة الإسلامية على الوقائع ـ الذي يضمن الصواب ـ، فكان الاجتهاد لازماً حتى لا تتخلف الشريعة عن موكب الحياة فتفقد شرط القيادة، وكان لابد من ضابط لهذا الاجتهاد؛ حتى يكون اللحاق صلاحية ذاتية في الشريعة، لا تحايل على الحياة بترقيع الشريعة بثوب من غير جنسها لإظهارها في مظهر المقاس الملائم، ولا قمعاً لحركة الحياة وجبرها على التراجع إلى الخلف والتوقف عن النمو قمعاً يكفينا عناء الترقيع السالف الذكر.
فكما لا ينبغي أن يتوقف النظر في أصول الشريعة استخراجاً للأحكام المطلوبة لجديد الحياة منها، فما دام هناك جديد لا ينبغي الاستنكاف عن المراجعة المستمرة لطريقة هـذا النظر وأسلوبـه؛ إثراءً لآلياتـه، وتدعيماً لفاعليتها ما دام هناك نظر، فالحكم الشـرعي المسـتخرَج بالاجتهاد هو رأي ينتهـي إليه الفقيه بعـد نظـره في نصوص الوحي وواقع الإنسـان، فهو ـ إذن ـ خلاصة تفاعل هذين العنصرين في ذهن الفقيه.
فصياغـة الحكم تأخذ حظها من النص باعتبار النص حاكماً، وتأخذ حظها من الواقع الإنساني باعتباره المعني بهذا الحكم، وحتى يكون استخلاص الحكم الشرعي من هذين العنصرين استخلاصاً سليماً، ينبغي أن يتم ذلك ضمن شرطيْ: منهج الشارع في الخطاب بالنص، ومقصده منه ومن خلق المخاطَب بالنص ـ دون الاقتصار على مطلق اللغة ـ، وهذا التفاعل ضمن هذه الشروط هو الاجتهاد الذي أُنيط بالفقيه.
وموضوع الاجتهاد استنباطاً وتنزيلاً ـ الذي اخترنا البحث فيه ـ يقصـد إلى توضيح هذا التفاعل بشيء من التفصيل.
   المجموعةمكتبة الرسائل الجامعية العالمية
   الناشردار النوادر
   عنوان الناشردمشق
   سنة النشر (هجري)1433
   سنة النشر (ميلادي)2012
   رقم الطبعة1
   نوع الورقكريم شاموا
   غراماج الورق70
   مصدر الورقياباني
   قياس الورق17 × 24
   عدد المجلدات1
   عدد الصفحات344
   الغلاففني
   ردمك9789933459895
   تأليف/تحقيقتأليف
   تصنيف ديوي
USD16
https://www.daralnawader.com/الحكم-الشرعي-بين-منهج-الاستنباط-وفقه-التنزيل
 تحميل
 كلمات مفتاحية
 تعليقات الزوار
اسم المستخدم
كلمة المرور
 مشاركة