دار النوادر
دار النوادرFacebookTwitterLinkedInGoogle
أسلوب الحوار في الحديث النبوي (دراسة مقارنة)
أسلوب الحوار في الحديث النبوي (دراسة مقارنة)
إنَّ صلتي بالبلاغة النَّبوية تذوقاً وتحليلاً صلة ترجع إلى سنينَ خلت، إلى يوم قُدِّر لي أن أكتب دراسةً عن لغة التشبيه والمجاز في الحديث النبوي، وشغلني مذ ذاك أمرُ الحوار، وكثرتُه في الكلام النَّبوي، وما فيه من قدرةٍ على التأثير في قارئه، حتى إنَّ من ينقطع إليه ويعيش بين حروفه وكلماته يخامره إحساس بانهدام سلطان الزمان، وكأنَّه ينتقل به عشرات القرون إلى الوراء ليعيش الكلامَ النبوي، وكأنَّه يُلقى عليه للتَّو، فيرى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في كلامـه يشتدُّ حيث تلزم الشدّة، ويلين حيثُ يَحْسُنُ اللين، ويراه يحاور الأصحاب ويسألهم، ويرى الأصحاب يتحلقون حوله، كلٌّ منهم يحرص على التقاط ما استطاع من درر كلامه الماتع الشَّريف.
وشغلني من أمر هذا الأسلوب الشريف ما يضطلع به من إسهامٍ كبيرٍ في بناء الإنسان المسلم وبناء المجتمع المسلم؛ إذ رأيت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يلتزم به في أحوال الدّين والدّنيا، وفي كلِّ أموره صغيرها وكبيرها، فكان يعلِّم به ويثقِّف، ويربـِّي ويبني، ويحاور ويحاجج.
ولكن هذا العالَم الماتع الجميل لم يقوَ على اللحاق به، والإمساك بمعالمه أيُّ من الدارسين الذين عرضوا له ممَّن وقفتُ على دراساتهم؛ وذلك لأنَّهم جَرَوا على طريقة شرَّاح التلخيص على جفافها وقصورها، فقيَّدتهم قواعدها، واستبدَّت بهم قوانينها، وفي ذلك ظلم للبلاغة، وظلم لحوار النبي ﷺ.
ويعظم هذا الظلم، ويشتدُّ عندما نعلم أنَّ الكثرة الكاثرة من الدراسات البلاغية التي عرضت لحديث النَّبي صلى الله عليه وسلم تجري على هذا الطريق الذي لا يشفُّ، ولا يُبين، وما كان ذلك ليكون لو أنَّ أصحاب هذه الدراسات ـ غفر الله لهم ما صنعوا ـ عادوا إلى بلاغة عبد القاهر والباقلاني، ومن جرى على طريقتهما في محاورة النصوص، وعادوا كذلك إلى ما في كتب الفقه والأصول والتفسير وشروح الحديث ومتشابه القرآن من طرائق شريفة عالية في ذوق الكلام وتحليله.
ولو فعلوا إذن لوقعوا على خيرٍ لا يدانيـه خير، ولأصابوا مفاتيحَ من ذهب وفضة تمَكِّن من يظفر بهـا من فتح مغاليق النصوص، والتغلغل فـي مغلغلاتهـا، والغوص على أغوارها، ولرجعوا ببلاغة لا تقف عند حدود الجملة والجمل، وإنَّما تتعدَّاها إلى المقطع والمقاطع إلى أن تبلغ النص كلَّه، ثم تتجاوزه إلى صلته بغيره من النصوص المتقاربات والمتباعدات.
زد على ذلك ما نلقاه في هذه الكتب الرائقات الماتعات من طرائق في التفكير والتحليل تعلِّم قارئها العقل والذوق، وتمكِّنه من الاجتهاد والاستنباط، ومن التقسيم والتفريع، وإذا الكلمـة والجملة والجمل في نور هذا المنهج العربي تنشر نكاتِهـا وأسرارَها، وإذا النص والنصوص يحكي لطائفه وأخباره.
من أجل ذلك كلّه جعلت من هـذا المنهج طريقي للولوج إلى عوالم الحوار النبوي الرحيبة الفسيحة، فرحت أحاور به نصوصَ النبوة مستنطقاً بنيانها ولغتها، ففُتِحَت ليَ به أبواب كثيرة من أبواب البلاغة العالية لم تفتح للذين سبقوني إلى درس الحوار من الناحية البلاغية؛ لأنَّهم جَرَوا في الغالب ـ كما قلت ـ على طريقة شراح التلخيص، فكان ما انتهيت إليه من تحليلي مختلفاً عمَّا انتهَوا إليه؛ إذ كشفت عن مولدات الحوار النبوي وأنواعه، ودرست خصائصه ووظائفه، وكنت في كلّ فصول دراستي أستكشف أحوال الحوار وهيآته، وما يقوم عليه، وما يرمي إليه، وكيف كان يتشكل؟ وما الذي كان يدفع إليه؟ وما خصائصه وما أنواعه؟ وكيف كانت العلاقة بين طرفيه أو أطرافه؟ وكيف كانت تلتقي نصوصه؟ وكيف كانت تفترق؟ ومن أجل ماذا كان اللقاء؟ ومن أجل ماذا كان الافتراق؟ وأستكشف كيف كانت تقوم المعاني في نفوس أصحابها؟ وكيف كانت تُرَتَّبُ على وَفْق هذا الترتيب؟
وأفتش عن المعاني القريبة والبعيدة، وأدرس ما داخل الجملة والجمل من علاقات وروابط، منتقياً فيما طال من الحوارات ماله أثر مهمٌّ في بنائها. وغرضي من ذلك ألَّا تُستغرقَ الدراسة بموضوعات الجملة، فتبعدَ عن موضوع الحوار بوصفه كلاماً بين اثنين أو أكثر، فيظهر ما حقه التقدم باهتاً شاحباً متأخراً.
ودرست كـذلك في الحوار ما قـام بين النصوص المؤتلفات والمختلفـات والمتشابهات والمتطابقات من صلات وعلاقـات، وأيُّها يمكن أن يكون السابقَ؟ وأيُّها يمكن أن يكون اللاحق؟ ولِمَ كان بعضها يقوم على الحوار دون بعض؟، ولم تولَّد عن بعضها حوار دون بعض، وكذا ما كان يقوم بين هذه النصوص وآيات القرآن من وشائج رحم وصلات نسب.
وكان من آثار ذلك المنهج العريق عليَّ، وعلى دراستي أنَّ أكثر ما جاء فيها من تقسيمات وتفريعات وتسميات جاء من ابتداعي، ومن ثمرات تفكيري، ومن اعتمادي على استقراء الحوارات واستقصائها، وإعمال العقل فيها، وكان من آثاره عليَّ تقديمُ الكثير من الاجتهادات الدلالية والأسلوبية، سَبْقتُ في بعضها، وخالفت في بعضها الآخر كلَّ من سبقني أو بعضهم، ورجَّحت في بعضها رأياً على رأي بدليل ظهر لي.
وقد هداني التتبعُّ للدراسات التي عرضَتْ للغـة الحوار النبوي وبلاغته إلى الوقوف على ثلاث دراسات، وأولها في الزمان: ’أسلوب الحوار في صحيح الإمام مسلم، دراسة بلاغية: وهي رسالة جامعية جرت من أولها إلى آخرها على طريقة شراح التلخيص، ولم يفت الدارس في نهايـة دراسته أن يوصي بتلك الطريقة لمَّا قال: ’وأوصي بالاتجاه إلى ما قرره البلاغيون في شروح التلخيص حتى يكون تحليل النصوص وإظهار جمالياتها قائماً على قواعدَ سليمةٍ.
وقد بنى الدارس أبوابه وفصوله على ترتيب مسلم لصحيحه، ولكنَّـه جعل الباب الأخير للكلام على التشبيه والاستعارة والكناية في الحوار، وكان منهجه الذي جرى عليه يقوم على كتابة الحوار، وشرحِ مفرداته ومعانيه، وذكرِ بعض الملاحظات الفقهية أو الأخلاقية، ثُمَّ الكلامِ على بعض البـِنَى البلاغية، نحو أن يقول: من البلاغة النبوية تقديم كذا على كذا، ومن البلاغة تشبيه كذا بكذا، وهكذا.
وثاني هـذه الدراسات: ’أسلوب الحوار في صحيح البخاري، خصائصه التركيبية وصوره البيانية وأثره في تجلية المعنى: وهي رسالة جامعية تشبه التي سبقتها في الجري على طريقة شراح التلخيص، وقـد كسرها الدارس على تمهيد وخمسة فصول، وبنى فصوله على ترتيب البخاري لصحيحه، فجعل الفصل الأول تحت عنوان: أسلوب الحوار في كتب بدء الوحي والإيمان والعلم. والفصل الثاني: أسلوب الحوار في أحاديث العبادات. والفصل الثالث: أسلوب الحوار في القصص النبوي. والفصل الرابـع: أسلوب الحوار فـي أحـاديث الفضائل والمعامـلات. وفي كلِّ هذه الفصول كان منهجـه كمنهج سابقه؛ يقوم على كتابـة الحوار وشرح مفرداته ومعانيه، ثُمَّ تحديدِ النوع البلاغي من غير ذوقه والغوص على أسراره إلا في القليل النادر.
والدراسة الثالثة هي: ’الحوار النبوي في صحيح البخاري، دراسة نحوية دلالية: وهي رسالة جامعية جاءت في مقدمة وتمهيد وخمسة فصول، ركَّزَتْ في فصولها على درس التركيب النحوي للحوار، فجاء الفصل الأول تحت عنوان: مفتتح الحوار جملة اسمية، والفصل الثاني: مفتتح الحوار جملة فعلية، والفصل الثالث: مفتتح الحوار جملة طلبية، وهكذا.
وثمَّـَة دراساتُ أُخر للحوار النبوي، ولكن لا تعلق لهـا بالـدرس اللغوي، ولا البلاغي، وقد هُديت إلى الوقوف على اثنتين منها، أولاهما: ’الحوار النبوي مع المسلمين وغير المسلمين: وهي دراسة هدف صاحبها إلى ’معرفة موقف الإسلام من قضية الحوار بين المختلفين مسؤولية ورأياً وحضارةً وديانة.
وثاني الدراستين هي: ’حوار الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود: وهي دراسة موضوعية أدارها الباحث على أربعة موضوعات، وهي: الجدل والتشريع والعلاقة الاجتماعية، ثم مصير اليهود.
وإن من شيء يقال قبل أن أدلف إلى الكلام على ما سأتناوله في ثنايا دراستي هذه فهو أنَّ مشكلتين قد اعترضتا سبيلي: وأوَّلُ المشكلتين كانت: سعة الموضوع، وتراحب أفقه، ولـذا قرَّ الرأي على قصر العمل على الحواراتِ التي تقع في عالم الشهـادة، ويكون النبي ﷺ فيها طرفـاً، فخرج فـي نور ذلك التقييد مـن الدراسة الحوارات التي جاءت في سياق قصصي، أو التي كانت تجري بين الصحابة من غير أن يكون للنبي فيها حضور، وغرضي من ذلك الإحاطة بالموضوع بغية الحصول على أفضل النتائج.
وثاني المشكلتين هي: رواية الحديث النبوي بين اللفظ والمعنى، وهي مشكلة منهجية لا يمكن من دون التصدي لها الاطمئنان إلى درس الحديث النبوي من الناحية البلاغية؛ لأنَّ هذه الدراسة تستلزم أن يكون النص المدروس مروياً بلفظه كما صدر عن قائله، فاقتضى هذا الإشكال مني أن أجري مقارنات طويلة بين الروايات للوصول ما أمكن إلى الحديث المروي باللفظ.
وأمَّا هيئـة الدراسة وبنيانها فقد كسرتهـا على أربعـة فصول تتبعها خاتمـة، ويتقدمها تمهيد ومقدمة، وقد عرضت في التمهيد لجملة من القضايا، جاء أولها معنوناً بـ (مفهوم الحوار)، فعرفته، ثم بيَّنت ما بينه وبين الجدل والمحاجَّة من فرق في المعنى، وتكلَّمت بعد ذلك على (رواية الحوار النبوي بين اللفظ والمعنى)، ففصلت القول فـي هذه القضيـة؛ وذلك لشديد تعلقهـا بموضوع الدرس البلاغي للحديث النبوي، وقد أبنت في الكلام على هذه القضية عن المراد من الرواية باللفظ والقائلين بها، وبعضٍ من أدلتهم النظرية، وفعلت مثل ذلك في الكلام على الرواية بالمعنى. وظهر لي من خلال الأدلة النصية أنَّ أكثر الحوار مروي باللفظ، والأدلة هي: التطابق والتشابه والتكرار.
وأمَّا معالم الرواية بالمعنى فقسمتها على قسمين: اختلافات يسيرة، وهي الغالبة، وقد درست منها استبدال كلمة بأخرى، والحذف والذكر، والتقديم والتأخير. واختلافات كبيرة، هي: اختزال المعنى، والخلط والتوهم. وفي ثنايا كلامي على هذه الاختلافات أبنت عن منهجي في التعامل معها.
وعرضت فـي القضيـة الثالثـة لموضوع: (الحوار النبوي بين الحض علـى السؤال والنهي عنه، وما ترتب على النهي)، فبيَّنت أنَّ الحضَّ النبوي على الحوار كان إمَّا حضَّاً مباشراً، وإمَّا حضَّاً غير مباشر، ثم ناقشت مسألـة النهي القرآني عن أنواعٍ من الأسئلة، وما ترتب على النهي من توقف كثير من الصحابة عن السؤال، وكيف تصدَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم لـذلك؟ ثم كيف ذكَّرَ الله تعالـى أصحاب رسولـه الكريم بوجوب السؤال وأهميته؟
ودرست في الفصل الأول: (مولدات الحوار القولية والفعلية في الحديث النبوي)، وقد اهتديت من خلال تأمل النصوص إلى الوقوف على أحد عشر مولداً، ثم درست في الفصل الثاني: (أنواع الحوار في الحديث النبوي) وقد جعلتها ثلاثة أنواع: التفاعلي، والتنبيهي، والمختلط. وجعلت التفاعلي ثلاث صور: البسيط والنامي والمركب.
وجعلت المختلط إمَّا في اتجاهٍ واحد، وإمَّا في أكثر من اتجاه. ودرست في الفصل الثالث: (خصائص الحوار في الحديث النبوي)، فكشفت فيه عن جملة من الخصائص تميـِّز الحوار النبوي مـن مثل التكرار، والتشابـه، والتداخل الدلالـي والأسلوبي، والتأثير القرآني، واستثمار المشهد الحي، ومطابقة مقتضى حال المحاور.
وأمَّا الفصل الرابع فدرست فيه: (وظائف الحوار في الحديث النبوي) وتحصَّلَتْ لي مـن تأمل نصوص الحوار مجموعـة مـن الوظائف كمثل: مواجهـة الأخطاء، والتقرير، والتعليم، والمشاورة، والمؤانسة، والاعتراض الانفعالي، والدعوة إلى الإسلام.
ثم توجت كل ذلك بخاتمة أودعتها قلب العمل وعصارته، وأبرز ما اهتديت إليه، ووقفت عليه.
   المجموعةمشروع 100 رسالة جامعية سورية
   الناشردار النوادر
   عنوان الناشردمشق
   سنة النشر (هجري)1433
   سنة النشر (ميلادي)2012
   رقم الطبعة1
   نوع الورقكريم شاموا
   غراماج الورق70
   قياس الورق17 × 24
   عدد المجلدات1
   عدد الصفحات534
   الغلاففني
   ردمك9789933459970
   تأليف/تحقيقتأليف
   تصنيف ديوي
USD16
https://www.daralnawader.com/أسلوب-الحوار-في-الحديث-النبوي-(دراسة-مقارنة)
 تحميل
 كلمات مفتاحية
 تعليقات الزوار
معروف: 

شكراً

2014-05-20 11:48:41 am
طاهر صديق : 

أريد تحميل هذا الكتاب وكيف يتم ذلك العمل

2014-05-20 11:48:41 am
فتحي: 

كيف يتم تحميل الكتاب

2014-05-20 11:48:41 am
جون لي: 

بارك الله فيكم

2014-05-20 11:48:41 am
رسائل: 

اريد تحميل الكتاب ...كيف ،، وجزاكم الله خيرا

2014-05-20 11:48:41 am
حمود: 

شكراً لكم

2014-05-20 11:48:41 am
ابوبكر عنان : 

بارك الله فيكم

2014-05-20 11:48:41 am
nada: 

شكرا لكم

2014-05-20 11:48:41 am
سبحان الله: 

جزاكم الله خيرا وجعل هذا العمل خالصا لوجهه وتقبل منكم ..

2014-05-20 11:48:41 am
اسم المستخدم
كلمة المرور
 مشاركة